Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
11 septembre 2017 1 11 /09 /septembre /2017 23:28

هذا نص الحوار الذي أجرته معي هدى سحلي لجريدة " آخر ساعة "، الاثنين 11 شتنبر 2017.

 

1- بداية، كيف نعرِّف القيم؟ هل هي ثابتة في التعريف أم تختلف من مجتمع لآخر؟

 

القيم هي نوع من المبادئ التي يقوم عليها المجتمع، أسس مركزية لقيام مجتمع وضمان العيش المشترك داخله، وهنا يمكننا التكلم عن ثلاث قيم كبرى تخترق كل المجتمعات البشرية، بدون استثناء، وقع عليها اتفاق باعتبارها مبادئ مؤسِّسة ومركزية، وهي قيمة الخير -وقيمة الحقيقة -وقيمة الجمال، داخل أي مجتمع تجد هذه القيم حاضرة: الحقيقة ضد الكذب والجهل والأمية، والخير ضد الشرّ والجوع والمرض والظلم...، والجمال ضد القبح والوسخ والتعفن...

لكن المضمون الذي تحمله كل قيمة من هذه القيم، يختلف من مجتمع إلى مجتمع، ويتغير من حقبة تاريخية إلى أخرى، ويتطور.

 إذن هناك هيكلة قيمية عامة هي الحقيقة والخير والجمال، لكن المضمون يختلف ويتغير حسب التاريخ والمصالح والسلطة وحسب عوامل كثيرة.

 

2- إسقاطا على المجتمع المغربي، من أي منظور يمكن تحديد قيم المجتمع المغربي؟

 

هذه القيم الثلاث، حاضرة في المجتمع المغربي بكل وضوح، المغرب والمغاربة يؤمنون بسموها وبتأسيسها للمجتمع والعيش المشترك، لكن هذه القيم لها خصوصيتها في المغرب، لها نوع من الزمكانية، هناك إجماع كلي شكلي حولها، ولكن تختلف وتتطور مع الزمن، كمثال على ذلك، العلاقات الجنسية قبل الزواج، هي شرّ بالنسبة للقيم السائدة تقليديا، وهي قيم أبيسية ودينية، أما الآن فيبدو أن قيمة "الإمساك الجنسي قبل الزواج" بدأت تناقش بل بدأت تفلس، وأصبحت عاجزة عن توجيه وتأطير السلوكات الجنسية.

قول الحقيقة أيضا، من يقول الحقيقة، الطفل؟ الأحمق؟ المثقف؟ أم المجتمع المدني؟ لكن من في السلطة لا يتبنى موقفا ماكيافيليا، فرجل السلطة يضحي بالحقيقة وبقولها، من أجل مصالح معينة وضمانا لاستمراره في السلطة.

قيمة الجمال، إذا ما أخذنا مثالا للوحة فنية لامرأة عارية، بالمعنى القيمي، ينبغي أن ننظر إلى جمال اللوحة لا أن ننظر اليها نظرة بورنوغرافية، بحيث هناك مواقف ترى تلك اللوحة كبورنوغرافية، أو أنه فيها تصوير وخلق، وهما فعلان إلاهيان، بالتالي ينبغي تحريم التصوير، تصوير البشر والحيوان والنبات، على اعتبار أن الإبداع مضاهاة لله. وهكذا نرى الاختلاف الكائن داخل القيم، والتطور الذي يحصل داخل القيمة نفسها.

 

3- هل لا يزال المجتمع المغربي يحافظ بعد قرابة نصف قرن على تساكن القيم بين ما هو محافظ وما هو حداثي؟

 

نحن في الحقيقة في منزلة بين منزلتين، نحن في حالة عبور قيمي، انتقال قيمي، ولكن هذا الانتقال ليس مرحليا، فهو شبه بنيوي، سيدوم وسيطول، وأصبح مؤسسا ومميزا للمجتمع المغربي. فمن جهة، هناك القيم الإسلامية التي تقوم على ثنائية الحلال والحرام، ولم تعد فعالة وكافية لتوجيه السلوكات الجنسية للمغاربة، ولكنها لازالت قائمة كمثل أعلى، ممجدة ومثمنة، هي شبه هوية ثابتة، وهي مرجع سامي، لكن يتم خرقها في الحياة اليومية، فهي حاضرة وغائبة في الوقت ذاته.

وطبعا هناك قيم حداثية جديدة، يقال إنها غربية، وأقول إنها ليست كذلك، هي حداثية، وهناك فرق بين ما هو غربي وحداثي، الحداثة، ساهم في بنائها الهنود والصينيون والعرب والمسلمون واليونانيون والرومان واوروبا، قد نقول أن الغرب هو الذي عبّر عنها، وبلورها، هو الذي يجسدها الآن أكثر من غيره، لكن لا يجسدها كاملة، بل ينبغي ويمكن أن ننتقده باسم الحداثة، فهو ليس حديثا بما فيه الكفاية.

قيم الحداثة كلنا نشترك فيها، ونعمل بها، ونعيش بها وفيها، لكننا لم نتقبلها كلية، لأنها مزعجة في بعض الأحيان، نظرا لوجود قيم أخرى تقليدية قديمة، محافظة.

ومشكل المغاربة، أننا فقدنا الإسلام كأخلاق ولم نرق بعد إلى الأخلاق المدنية الحداثية التي تميزالمواطن عن الرعية، فالإسلام تحول اليوم إلى إسلاموية تعبدية طقوسية شكلية، فأصبح أداة شعبوية لتعبئة الجماهير، وتحول إلى نمط في الحكم وفي تدبير الشأن العام باسم الديمقراطية والانتخابات، كما غدا أيضا نمطا ليبراليا لتدبير اقتصاد السوق. لم يبق أخلاقا تميز بين ما هو خيِّر وشرير، فذلك رهان غائب في الإسلاموية كتدبير للسياسة والاقتصاد وللتدين الطقوسي.

من جهة أخرى، هذا الفقدان لم يوازيه ارتقاء إلى أخلاق مدنية تقوم على فعل الخير وتقول به، لكن ليس باسم الله، أو خوفا من العقاب وليس طمعا في المكافأة، بل فعل الخير من أجل الخير، الخير في ذاته ولذاته، حتى يرتاح الضمير، فالأخلاق المدنية تقوم على مفهوم الضمير: أفعل الخير لكي أريح ضميري، ولأن ذلك واجبي، بغض النظر عما سيقول الآخر وبغض النظر عن حكم الله. هذه الأخلاق لم نبلغها بعد لأنها تحتاج إلى وجود فرد مواطن مستقل عن الجماعة، يعي واجباته ويقوم بها، ويتمتع بحقوقه المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية كاملة، وبما أن هذا الشرط غير موجود فلا يمكن أن تكون للمغربي أخلاقا مدنية حداثية، أي ضميرا دون دين ودون تدين.

هذا هو التوصيف الموضوعي للوضع القيمي في مغرب اليوم، فالمغربي مثله في ذلك مثل الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة، فنسي مشيته وفقدها ولم يتعلم مشي الحمامة.

 

4- في نقاش الفرد/ المواطن، هناك من يقول إن المغربي اتجه نحو الفردانية المطلقة؟

 

لا، يجب أن نميز بين الأنانية والفردانية، المغربي أصبح أنانيا جدا "راسي يا راسي- مصلحتي أولا"، ضدا على كل القيم والمبادئ، لا الدينية ولا المدنية. هذه أنانية "égoïsme" وليست فردانية individualisme " . هذه الأخيرة إيجابية بما أنها تحيل إلى بروز الفرد كمواطن، ليس في حاجة إلى مساعدة الدولة أوالأسرة، فحقوقه يتمتع بها كمواطن فرد، ولا يخشى التميز في الأفكار والمواقف، بل وجوده وتحققه يكمن في تميزه. هذه هي الفردانية، إنها خروج من القطيع. والفردانية هي أساس الضمير، أي أساس استبطان الأخلاق المدنية والعمل بها والعمل على الأنا من أجل استقامته.

إذن هذا البين بين، بين أخلاق إسلامية أصبحت عاجزة عن هيكلة سلوكات المغاربة وتأطيرها وبين أخلاق مدنية صعبة المنال، هذه الازدواجية، هذا التردد، ذلك التيه، كل ذلك أصله سياسي، لأن الدولة لم تحسم، فهي تريد التوفيق بين الورقتين، تريد الجمع بينهما، فهي دولة دينية لكن ليس إلى درجة الدولة اللاهوتية، وهي دولة حداثية لكن ليس إلى درجة الدولة المدنية العلمانية. هي في وسط الطريق، ولم تحسم، وعدم الحسم هذا ليس عابرا، بل هو بنيوي يميز النظام السياسي المغربي.

عدم الحسم، هل هو اختيار واعي للدولة، أم أنها هي في حد ذاتها، لا تملك هذا الوعي؟

رهان الدولة هو التدبير والحفاظ على الوضع القائم، ومن أجل ذلك تريد إرضاء الطرف الإسلامي والاسلاموي، وتريد أيضا إرضاء الطرف الحداثي العلماني الديمقراطي، لكنها في نهاية المطاف لا ترضي لا هذا ولا ذاك كلية، بل ترضي كل منهما جزئيا، وتبقى في هذا التردد والتأرجح، لأنها تتكيف حسب الطلب، وحسب الضغط.

أصل الانهيار الأخلاقي داخل المجتمع أن الدولة نفسها لا تعطي المثال والقدوة، النموذج ينبغي أن يقدمه المسؤولون صناع القرار وأصحاب السلطة بكل مراتبهم، يجب أن يكونوا قدوة للشعب، فحين يقوم مسؤول ما، كيفما كانت مرتبته، بفعل سيئ، ينبغي أن يعاقب مباشرة، أن يتم الإصلاح مباشرة بالعقاب، لكن حين يصبح الإفلات من العقاب سياسة لا شكلية متبعة وقائمة، يصبح الإنسان الشعبي العادي تائها، ويتبنى هذا النموذج الذي يقدمه السياسي (غياب العدل، انتشار الظلم، النهب، الرشوة، الريع). الإفلات من العقاب يفقد الإيمان بالقانون وبالأخلاق، فتغذو المؤسسات التربوية من آسرة ومدرسة عاجزة عن غرس أخلاق ما في نفسية الأطفال. النظرة التحقيرية المتصاعدة للمعلم وللأستاذ لا تجعل منهما مرجعا ومصدرا في الأخلاق، با أكثر فأكثر موضوع عنف من طرف التلاميذ والطلبة، بل ومن طرف الآباء أنفسهم. فالاستمرارية في الإفساد أصبحت حاصلة بين الأسرة والمدرسة، إنه موت مندمج ومتكامل للتربية الأخلاقية وللتربية الوطنية.  ثم إن تزوير الانتخابات وخلق أحزاب سياسية إدارية وضرب أحزاب حقيقية أفعال لا أخلاقية تفقد الثقة في الأخلاق، فيها تلاعب بالإرادة الشعبية، فيها تحايل، فيها كذب، فيها كيد، فيها عنف. فيصبح هذا السلوك السياسي للنظام قدوة سيئة في التعامل اليومي بين الناس وأنموذجا سلوكيا عاديا مطبعا.

وعليه يجب تحميل مسؤولية الانهيار الأخلاقي للدولة، فالدولة لم تتبنى بشكل واضح لا الأخلاق الإسلامية ولا الأخلاق المدنية في تعاملها مع الفساد، بل شجعته وقامت بحمايته وحولته إلى رابط اجتماعي جديد تنشره الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام. وهنا أطرح السؤال عما هو الضمير؟ ما هو الأنا الأعلى؟ هو استبطان الأب كقدوة، استبطان الدولة كأب قدوة. في دولة فاسدة، يصبح الأب بالاستتباع أبا فاسدا ومفسدا في المجتمع، ويمرر فساده "النموذجي" إلى أطفاله وهكذا دواليك. والمعلم، ذلك الأب الثاني، الرمزي، يقع بدوره فريسة للفساد العام. لا أخلاق ممكنة في مجتمع يطبعه الفساد بشكل بنيوي.

للتوضيح أكثر، مؤسسات الدولة الساهرة على تدبير المجتمع والمتحكمة في تسيير المجتمع، هي مؤسسات غير نموذجية، لا تعطي المثال، فالمؤسسات نفسها إذا كانت فاسدة ستنتج أشخاصا فاسدين، وطبيعة النظام حولت الناس ولفترة طويلة إلى عبيد وخدم محتقرين، وليس إلى مواطنين كرماء. تطبيع هذا الوضع وتنشئة الناس عليه تم باسم الإسلام أيضا، فهو يحث على طاعة أولي الأمر ولو جاروا، على أساس أن ذلك أحسن من الفتنة، فالفتنة أشد من القتل، أي قتل كل من تمرد وثار.

السؤال هو كيف نقاوم هذا الفساد المؤسس للدولة كمؤسسات، هنا نحتاج فعليا إلى حداثة قيمية، وإلى قناعة حداثية وإلى ضمير أخلاقي ينير الفعل السياسي، هذا هو الرهان، يلزمنا حد أدنى من الأخلاق يضمن مجتمعا سويا، فيه مساواة وشعور بالأمن والاطمئنان، وإلا سنعيش التسيّب والنكوص إلى الذئبية، أي أن يكون الإنسان ذئيا للإنسان، وهو واقع الحال في مغرب اليوم.

 

5- حادث ما وصف بالاعتداء على فتاة في حافلة للنقل العمومي بمدينة كبيرة مثل الدار البيضاء، ماذا يعكس إن نحن قاربناه بإسقاط سؤال القيم؟

 

هذا الحادث مؤشر حزين، يبين أن الاخلاق الإسلامية فُقِدت ولم تبق فعالة وأن الأخلاق المدنية لم تتقو بما فيه الكفاية لكي تصبح فعالة، وهو ضربة موجعة للمغاربة، يعكس صورتهم الذئبية في المرآة، لهذا تم رفضها بقوة وبشدة. إنه ضربة للأنا الوطني، جرح نرجسي عميق، "ما رضيناش"، لم نتقبل هذا الحادث، وننكر أن يكون الفاعلون مغاربة منا، ولكن الحقيقة أنهم مغاربة منا ومسلمون منا.

هذه مأساة/ وطبعا يمكننا أن نعمق التحليل، لنخلص إلى أن هناك ليبرالية أصبحت اختيارا مغربيا، وهي نيوليبرالية وحشية همها الربح الأقصى، تدوس الفقراء وكل الفئات الضعيفة، على رأسها النساء والفتيات، حيث يتم تحويل النساء إلى بضاعة تباع وتشترى وتغتصب، وهكذا، وهذا ما يحصل في المغرب، الاختيار الليبرالي حول الجنس إلى سلعة وفرجة.

لهذا دائما كنت أدعو ولا أزال إلى عقد مناظرة وطنية حول الجنسانية المغربية، وانتقلت إلى مطلب أدق يكمن في ضع سياسة جنسية عمومية، تجيب عن الأسئلة التالية: ماذا نريد من الجنس؟ ماذا نريد أن نصنع به؟ هل نريد أن نحوله إلى سوق وبضاعة؟ أم نريد أن نوظفه من أجل بناء مجتمع مغربي سليم جنسيا؟ هل نريد فقط اعتبار الجنس جنحة أو جرما نعاقب باسمه المواطنين؟ هذه أسئلة يجب أن نطرحها بصرامة وبصراحة، ونجيب عنها بالصراحة والحصرامة ذاتهما، من خلال صياغة برامج وتحديد غائيات. نتيجة غياب سياسة جنسية عمومية انفجار جنسي، انفجار في الوحدة بين القيم والسلوكيات، حيث لم يعد هناك انسجام بينهما، المعايير والقيم الجنسية لا تزال إسلامية رغم خرقها، أما السلوكات الجنسية فأصبحت ليبرالية دون وعي عماني ودون وضمير مدني.

وهذا الانفجار الجنسي، هو ما جسده حادث الحافلة، وقبله حوادث الاعتداء على المسنات، واغتصاب الأطفال، وارتفاع عدد الأمهات العازبات، والتخلي عن الرضع، وانتشار الامراض المنقولة جنسيا، والإجهاض السري، والبكارات الاصطناعية الكاذبة، هذه كلها ظواهر تعبر عن الانفجار الجنسي، الذي يميز مرحلة الانتقال الجنسي التي نحن فيها.

في فترة سابقة، كان المغاربة يعيشون مرحلة انسجام بين قيم جنسية دينية وسلوكات جنسية دينية. أما المستقبل فيكمن في انسجام علماني في التطابق بين قيم جنسية علمانية وسلوكات جنسية علمانية.

أما المرحلة التي نعيشها في الحاضر، المرحلة الثانية، الانتقالية، نؤمن فيها بقيم إسلامية نخرقها ونمارس فيها أشياء لا نتبناها، بل نشعر بالإثم والذنب، وهذه مأساة فردية وجماعية.

 

6- ماذا لو تجاوزنا ما أسميته بالانفجار في الوحدة، في اتجاه تبني القيم والسلوكات الإسلامية؟

 

أولا، لا يمكن فرض الإسلام على الجميع قسرا. هناك من المغاربة من تخلى عن الإسلام وهذا حق كل مواطن. العودة والنكوص مستحيلان إذن. الكثير من الدول لها دين رسمي لكنها لا تفرضه على مواطنيها وتتركهم أحرارا في دينهم أو في عدم تدينهم، ولا تستخرج قوانينها من الدين الرسمي السائد، دين الدولة. ثانيا، ينص الدستور المغربي على أن حقوق الانسان مرجعية سامية وأنه إذا حدث تعارض بيينها وبين المرجعية الإسلامية فالغلبة تكون لحقوق الإنسان.  الرهان يكمن في تفعيل حقيقي لحقوق الإنسان على صعيد الواقع الجنسي وعلى صعيد النصوص القانونية المتعلقة بالجنسي، وهذا شيء أساسي، فالقانون الجنائي بالأساس يناقض حقوق الإنسان في مجال الجنس، ومن ثم فهو غير دستوري. لا بد من إصلاحه.

وبالنسبة لي، الحل بسيط جدا من الناحية النظرية، فالعلمانية هي الحل. على الدولة أن تحول الإسلام إلى إيمان فردي شخصي مخوصص يعطي للمسلم الحق في ألا يمارس الجنس خارج الزواج وقبله. وعلى الدولة أيضا أن تسقط من القانون الجنائي الفصول 489 الذي يجرم العلاقات المثلية و490 الذي يجرم العلاقات الرضائية بين عازبين، و491 الذى يجرم الخيانة الزوجية. وفي هذه النقطة بالذات، الخيانة الزوجية لا يجب أن تبقى جنحة بموجب القانون الجنائي، وإنما أن تتحول إلى قضية مدنية على المتضرر فيها أن يطالب بالطلاق وبتعويضات، فلا مجال لإقحام الحق العام في الخيانة الزوجية. الرهان هو الحفاظ على حق المغربي في رفض فردي وشخصي للزنا واللواط والسحاق من جهة، وضمان حق المغربي في الجنسانية المتراضية. هذا هو الحل بكل بساطة.

ولكن سياسيا، هذا الحل ورقة خاسرة بالنسبة للسلطة، فهي ورقة تفقد شرعية الحكم، لأن أساس الحكم ليس شعبيا وإنسيا، وإنما إلاهيا دينيا. الشرعية الديمقراطية حاضرة لكن ليست كافية أمام شعب متخلف جاهل ذي إسلام أولي سطحي، غير حذر. وحتى الأحزاب السياسية نفسها لا تستثمر هذه الورقة، أقصد الأحزاب التقدمية طبعا، لأنها الورقة الجنسية خاسرة انتخابيا. صحيح أن مهمة السياسة مهمة نبيلة، وهي الدفاع عن المبادئ، لكن في مغرب اليوم تحولت إلى بحث عن الكراسي وعن السلطة، وبالتالي يتم التضحية بالقيم من أجل الوصول الى الكراسي وإلى السلطة والمصالح المرتبطة بها.

 

7 - في ظل هذا الوضع، من يمكن أن يقوم بهذا الدور؟

 

المجتمع المدني، المثقفون. شخصيا طالبت بحذف تلك الفصول منذ سنة 2007، وتبنت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نفس الطرح سنة 2012، وكذلك ربيع الكرامة سنة 2010، لكن الأحزاب السياسية لا تتحرك في هذا الاتجاه خوفا من الخسران الانتخابي. كمثقف أقوم بدوري، بتشخيص وتحليل الوضع تحليلا موضوعيا باردا عالِما، في صياغة وبلورة توصيات لصناع القرار، ودوري كعالم اجتماع يقف هنا.

 

8- الافتراضي راهني وواقع الآن في مجتمع متحول مثل المجتمع المغربي، فأي قيم يحيكها هذا العالم الافتراضي؟

 

العالم الافتراضي ليس عالما مستقلا، هو مرآة للمجتمع، وفيه إيجابيات كثيرة، كونه يسمح لكل شخص أن يعبر عن أفكاره ويحصل على المعلومات، بغض النظر عن مستواه التعليمي والثقافي، ومن الإيجابيات أيضا، القدرة على القول والتعبير مع الحفاظ على المجهولية، بالتالي ساهم العالم الافتراضي في تعرية كل أوضاع المجتمع المغربي، أصبحت كل الوقائع تذاع وتعرف، نعيش مرحلة التعرية والنقد، وهذا شيء إيجابي جدا.

ويجب القول إن مواقع التواصل ليست افتراضية، بل هي تحاكي الواقع وتنقله وترويه، تخلق الوعي أو على الأقل تتيح المعلومة، وطبعا هذا ليس كافيا، لأن الصراع وازدواجية المرجعية القيمية، تجد صداها أيضا في آليات التواصل هذه، ففيها نجد من ينادي بالطرح القائل إن الحل هو العودة للإسلام، كما نجد من يقول إن العلمانية هي الحل، إذن لا يمكن أن يأتي الحل من العالم الافتراضي، هي فقط وسائل لنقل الخبر والمعرفة والجدال.

 

9- إذن، هل يمكن أن نقول إن المجتمع المغربي يعرف ما سمي بالانهيار التام للقيم؟

 

ما يقع الآن هو زعزعة وهم الاستقرار والأمن، وهذه الأحداث التي تنشر من حين لآخر، وتصل إلى الناس، تخلق الوعي بالأزمة، ولكل أزمة إيجابيات، من بينها إعادة النظر في الذات ومحاسبتها، إعادة النظر في الذات الجمعية والتساؤل عن السياسيات، في وجودها أو عدمها.

النظام المغربي يشكو من عسر في الوضع، من "ديستوسيا " (dystocie)، دائمة لكنها غير قاتلة، بمعنى أن النظام لا يموت لكن وضع الجنين لا يتم، وهذا هو الإشكال، للخروج من هذه "الديستوسيا" وتجاوزها، لابد من عملية قيصرية، وشكلت 20 فبراير، في هذا الشأن، شبه عملية قيصرية، لكن تم احتواؤها بشكل ذكي سياسيا، ونرى اليوم إلى أين وصلنا سياسيا، تم تهميد تلك الانتفاضة، وتم الجواب عنها، لكن تم إخمادها بعد ست سنوات، وتعرفون المسار، وهذا يدل على أن "الديستوسيا" لازالت مستمرة.

 

Partager cet article

Repost0

commentaires