Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
27 juillet 2010 2 27 /07 /juillet /2010 11:16

منقبات في الصورة، أو التصوير المتناقض

د. عبد الصمد الديالمي

 

لا ندري من أخذ هذه الصورة الفوتوغرافية ولا ندري متى أخذت ولا ندري أين... ولا ندري أيضا أين نشرت بل لا ندري هل نشرت فعلا في جريدة أو مجلة... يبدو فقط أنها تتداول بين أناس على شبكة الإنترنت... والواقع أن الإجابة عن هذه التساؤلات ليست ضرورية بالنسبة لمقاربة سيميولوجية تعتبر الصورة نصا ناطقا بذاته بفضل انتظام دالاته البنيوي. دالات نعثر عليها في مجموعة من التقابلات، بين الأبيض والأسود، بين نساء منقبات ونساء سافرات، بين رجل ذي قميص وآخرين بلباس حداثي، بين رجل مسلم مسن ورجال شبان عصريين. لكن الدال الرئيسي الذي يفرض نفسه على الناظر هو نقاب النساء الأسود واصطفافهن أمام آلة تصوير الرجل الأصولي المسن.

في قراءة أولى، يقصد تصوير المصور الأصولي لنساء منقبات التهكم من الأصوليين المتشددين ونقد تناقضاتهم. والاستهزاء هنا مزدوج (على الأقل): استهزاء من النقاب الأسود من حيث هو حجب للمرأة عن النظر في القرن الواحد والعشرين، واستهزاء من رجل أصولي يأخذ صورة لنساء منقبات المفروض فيه ألا يصورهن البتة.      يفرض السواد نفسه كدال محوري في الصورة فهو يعزز الحجب، إنه سواد مظلم (وظالم) في مقابل بياض قميص الرجل (ونوره). تصوير الحجب هذا فعل مفارق يقود إلى طرح التساؤلات المتمردة التالية: لماذا تصوير نساء منقبات؟ أليس في هذا الأمر تناقض صارخ؟ أليس أخذ صورة ما لفرد ما تعبيرا ما عن نرجسية ما؟ أليس تصوير نساء منقبات قمع لنرجسية  مشروعة وأساسية في تبلور الذات؟ أليس للمرأة الحق بالتمتع بجمالها وبتمتيع الآخرين به في إطار علاقة استطيقية أولا؟ أوليس لها الحق في استعمال سلطة جمالها في حرب الإغراء؟ كما للرجل أسلحته الخاصة في نفس الحرب، تلك الأسلحة التي لا يتردد في توظيفها يوميا ضد المرأة؟ في هذه الصورة نسف لمنطق الصورة، فيها امتثال مطلق وأعمى لمنظور المرأة-العورة، الفاتنة والغاوية... لكن، هل كل النساء فاتنات ومثيرات للشهوة؟ هذا ما لا يظهر من يد امرأتين في الصورة، يدان كبيرتان خشنتان، لا تظهر عليهما لا رقة ولا نعومة ولا أنوثة... وهذا ما لا يظهر أيضا من قامة البعض منهن ومن غلظهن (غلظتهن؟)، من شكلهن الرجولي. هل يقود التمييز بين نساء فاتنات وأخر غير فاتنات إلى ضرورة عدم تعميم وضع الحجاب أو النقاب؟ أم أن مجرد النظر إلى نساء المسلم (ولو كن قبيحات المنظر والشكل وغير مثيرات) إهانة له ومس بكرامته وشرفه؟ كما لو أن كل الرجال المسلمين في حالة هيجان جنسي دائم وفي وضع انقضاض دائم على كل أنثى، على أي أنثى. إن اعتبار المرأة فتنة والرجل بهيمة جنسية هائجة (دوما)، وهي النظرة المؤسسة للنقاب، نظرة تحتاج إلى أكثر من إعادة نظر، باسم الحضارة والتحضر على الأقل...

من منظور الأصولي المصور (بكسر الواو)، يتعلق الأمر بلا شك بنوع من التوفيق بين السياحة والتقنية والإسلام، بمعنى أنه يخضع تقنية غربية إلى قيم إسلاموية ترى في النقاب الحماية المثلى لجسدها والضمانة القصوى لاحترامية تواجدها في الشارع العام. فالصورة التي تلتقطها عدسة المصور الملتحي ستوظف حتما في التدليل والإشادة بمنظور إسلاموي يبيح اختلاط مشروطا ومحدودا بين الجنسين في المجال العمومي. وأكيد أن الأصولي المصور يعتبر نقاب النساء والسياحة بهن وتصويرهن بالنقاب انتصارا للإسلام، وإخضاعا للسياحة وللتقنية (الفوتوغرافية) إلى قيم إسلامية تظل وفية لنفسها مهما تغيرت الظروف والأحوال. في هذا الإطار، تستغل السياحة، أو وجود جالية مسلمة في دول المهجر الغربية، من أجل فرض النقاب على المسلمات لإظهار خصوصيتهن واختلافهن ولإبراز عدم اندماجهن في مجتمع الآخر وعدم قدرة "العدو" على استيعابهن. إنها ليست حربا رمزية فحسب، بل حربا استراتيجية تعبر بالأساس على إرادة الاحتفاظ ببنات الإسلام لأبناء الإسلام، أي على الرغبة في عدم تمكين "الكافر" من المرأة المسلمة، بل وحتى من النظر إليها. إن فرض النقاب على المرأة حرب ضد المرأة كمواطنة أولا، وحرب ضد انفلاتها من احتكار الرجل المسلم لجسدها باعتباره أداة متعة وإنجاب. وفي رفض تزويج المسلمة من غير المسلم دليل على منع المرأة المسلمة من تعزيز صفوف "الآخر".    

ذكرتني هذه الصورة بمشهد عاينته في فاس، في عز صيف ما، حار جدا... كنت أستحم مع بناتي التوأمين في مسبح أحد الفنادق وإذا برجل ملتح يدخل حديقة المسبح... لعله نفس الرجل الذي على الصورة، يرتدي نفس القميص الأبيض وعلى رأسه نفس القبعة البيضاء... وفي رجليه نفس النعل، اقتداء بالسلف الصالح دون شك... كان يشد على يد ولده ذي العشر تقريبا. تتبعهما امرأة منقبة سوادا. واضح أنها الزوجة والأم، بينها وبين الذكرين مسافة محترمة (بكسر الراء). اختارت الأسرة الصغيرة إحدى الطاولات المحيطة بالمسبح للجلوس... ثم بدأ الرجل الملتحي ينزع قميصه أمام الملأ، وكذلك فعل ولده، ولم يحتفظا سوى بسروال قصير يصل إلى الركبة... ثم انطلقا نحو المسبح ليغطسا ويسبحا ويلعبا... أما المرأة المنقبة، فبقيت جالسة على كرسيها... بنقابها طبعا... تتابع استحمام واستجمام الذكرين، الزوج والابن، لمدة ثلاث ساعات على الأقل دون أن تتحرك من مقامها. هل يؤدي النقاب إلى هذه الدرجة من المازوخية؟ هل كانت المرأة تشعر فعلا بمتعة تحت نقابها الأسود الذي يزيدها حرا على حر الصيف والشمس؟ هل تكفي رؤية "ذكريها" وهما يسعدان بالماء والسباحة لإسعادها؟ طبعا، كانت تنظر إلى السباحات، وإلى السباحين طبعا... ووارد أنه كانت لديها آراء واستيهامات بصدد الأجساد المنظور إليها، فهي كائن بشر، من لحم ودم. وطبعا، لما فرغ الزوج الملتحي من السباحة، جلس بعيدا عن زوجته وكان واضحا أن غض البصر لم يكن من أولوياته، بل كان يستمتع بالنظر إلى أجساد السابحات دون أدنى حرج... استغربت بناتي المشهد وسألتنني إحداهما عن سر عدم سباحة المرأة وعن سبب نقابها... لم أجسر على ربط ذلك حتى بالإسلاموية، لأن الإسلاموية بالنسبة لعقلها الصغير سترادف حتما الإسلام... وكنت أرفض ولا أزال أرفض أن تربط هذه الظاهرة بالإسلام، أي بإسلام صحيح وصحي... أحرجني السؤال ولم أجد جوابا مقنعا... وادعيت الجهل وأرجعت ذلك إلى أمور شخصية خاصة...  

 تصوير نساء منقبات تصوير ما (لا) يظهر وما (لا) يكشف للغريب الغير المحرم، فالقصد هنا ليس هو تصوير نساء أفراد مواطنات بل تصوير الحريم القطيع الخاضع لسيده ومالكه بالتمام والكمال. وحده الرجل يعرف من هن هؤلاء النسوة، ووحدهن النساء المصورات يعرفن أنهن هن المصورات هنا. وحده الرجل ووحدهن النساء في مقدورهم الإفصاح عن هوية المنقبات الحاضرات الغائبات... تفشل هنا الصورة في تحقيق تواصل يستقل عن ميتا-خطاب فاعلي الصورة ومفعوليها، ويبقى النص هنا سجين فاعليه ومفعوليه لتشخيص هويتهم الإنسانية.

في الصورة خمس نساء ورجل... ما علاقة الرجل الأوحد بالمنقبات؟ هل الرجل مجرد إنسان عابر طلبت منه المنقبات أن يأخذ لهن صورة جماعية؟ غالب الظن أن الرجل ليس غريبا عن المنقبات وأنه زوج لأربعة منهن، أو لثلاثة، أو لاثنتين، أو لواحدة وما ملكت يمينه... احتمالات أخرى واردة ومشروعة دون أدنى اعتراض كأن تكون المرأة الأقصر قامة بنت الملتحي... الأهم هو اعتزاز المصور وافتخاره الباديين من خلال صدره المنتفخ، فهو الرجل الذي يحمي نسائه من الآخرين "بفضل" إخفاء أجسادهن، وهو الذي مكنهن من السياحة في بلد أجنبي لأنه لا سفر لهن دون محرم... ما من امرأة منقبة أخري تظهر في الصورة... في الصورة، ثلاث نساء أخريات، سافرات. نرى في قاع الصورة ظهر واحدة منهن وهو ظهر عار... ظهر تهمشه الصورة كما همشت المرأتين السافرتين الأخريين، كما لو أن الصورة تجعل من نقاب نساء مصطافات ومصطفات اختيارا سائدا كاسحا غازيا. لا أحد في الصورة من المارة والجالسين يبدو منتبها للرجل وهو يصور منقباته، سوى ذلك المصور الذكي الذي أخذ الصورة ليجعل منها كاريكتورا تصور تصوير الغائب الحاضر.

تصوير رجل ملتح يصور نسائه المنقبات لحظة إبداع حقيقية، وثيقة يحتفظ بها التاريخ ضد من قهروا المرأة باسم الإسلام... إسلام تحول في أيديهم إلى سلاح مقدس يسدل القدسية على قهر الرجل للمرأة... إن قوة هذه الصورة قوة قاتلة، فهي تشكل لبنة في النقد العقلاني لحجب المرأة ولتقزيمها، وهو النقد الذي لا بد أن ينتصر نظرا لاحترامه صيرورة التاريخ والعقل. تحمل الصورة في ذاتها كل تراجيديا المرأة المؤسلمة، تلك السلعة التي يقدمها الرجل المؤسلم وهي في نقاب يعلبها بالتمام. إنها خيانة لفكرة المرأة، ولمبدئها، إنها امرأة مستحيلة في نهاية التحليل.

لا تشكل هذه الصورة الفوتوغرافية التي بين أيدينا وثيقة ثانوية أو ثانية، دورها الأساسي مساعدة نصنا هذا. إنها على العكس من ذلك نص كامل في ذاته يلتقي مع نصوصنا في الميدان، ومع كل النصوص التي ترفض إهانة المرأة وتشييئها. وارد أن هذه الصورة قادرة علي خلق قلق معرفي لدى الناظر إليها، وعلى إفراز سؤال مبدع يحدد أو على الأقل يحول مسار باحث. وهذا أمر سبق وأن وقع في تاريخ البحث الاجتماعي...      

   

Partager cet article

Repost0

commentaires